محاضرات

نسب الإمام الحسين ونشأته

نسب الإمام الحسين ونشأته

 

بعض الناس لا يرون أهمية في ذكر نسب الإنسان لأنهم يبحثون عن حقيقة الشخص ويعتبرونها الغاية القصوى من الحديث عنه ولهذا فإنهم لا يعيرون اهتماماً للنسب، هذا مع العلم بأن للنسب أثراً في عملية فهم الشخص.

ونحن بدورنا نوافقهم بالمبدأ على أن العبرة في سلوك الشخص ونفسه وقلبه وروحه ولكن هذا لا يعني إلغاء النسب الذي نعتبره المدخل الأساسي لفهم حقيقة المنسوب.

وإنه إن لم يكن في بيان النسب منفعة عملية إلا أن فيه منفعة علمية على أقل تقدير وهي أن تعرف أن فلاناً هو ابن فلان وأنه ينتمي إلى هذه القبيلة أو تلك ولهذا فإننا نقول إن الجهل بالنسب منقصة لأنك لا يمكن لك أن تنسب أية فضيلة أو مكرمة للإنسان إلا بعد بيان نسبه، ولا شك بأن هناك تفاوتاً بين نسب ونسب فنسب الإمام الحسين(ع) قطعاً هو غير نسب يزيد فإن يزيداً ينحدر من شجرة خبيثة ملعونة أما الحسين(ع) فإنه يرجع نسبه إلى الأنبياء والأوصياء.

وقد اقتضت طبيعة الإنسان أن تسأل عن الأشخاص بلفظين، ولكل لفظ مؤداه الخاص، فمرة يسألون عنه بلفظ(من) وهم يطلبون معرفة النسب، وأخرى يسألون عنه بلفظ(ما هو) أي ما هو دينه وأخلاقه وعلمه وعمله وما شاكل ذلك، وهذان السؤالان ضروريان في معرفة الإمام الحسين الذي يرجع نسبه إلى أشرف نسب وعمله إلى أطهر عمل.

وللأنساب والبيئة أثر على سلوك الإنسان كما يقول علماء النفس، ولذا قلّ من يشذ عن هذه القاعدة، ولذا فقد كان يُحكم على البعض من خلال النظر إلى نسبه وإن لم يكن برأينا حكماً عادلاً لأن القاعدة ليست شاملة للجميع فهناك صالحون خرجوا من أصلاب كافرة، وكافرون خرجوا من أصلاب طاهرة، ولكن أهل البيت(ع) بالخصوص اختار لهم ربهم الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة ولهذا استحال خروج معصوم من صلب كافر.

ومن خلال هذه النقطة حاول بعض المغرضين أن يشوهوا بصورة أمير المؤمنين علي(ع) متهمين أباه الطاهر والمخلص بالكفر، ولا يخفى على أحد إيمان أبي طالب الذي كتم إيمانه في بعض مراحل حياته من أجل حفظ النبي من الموت وكان حاله كحال مؤمن آل فرعون وكحال الصالحين الذين أخفوا إيمانهم وولاءهم على الحكام الظلمة.

إن إيمان أبي طالب رضوان الله عليه إيمان خاص حيث آمن بابن أخيه قبل البعثة، والإيمان بالنبي قبل بعثته أهم من الإيمان به بعدها ولكن ليس بشكل مطلق لأنه وإن آمن به قبل بعثته فإن لم يكن إيمانه ثابتاً فلا يكون إيماناً حقيقياً ولكن إيمان أبي طالب بنبوة محمد قبل بعثته كان إيماناً راسخاً في جوارحه.

فالإمام الحسين(ع) هو بن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد الطلب بن هاشم، وهو السبط الثاني لرسول الله محمد بن عبد الله(ص) وثالث أئمة الهدى، وخامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

وهو أشرف نسب شهدته هذه البشرية منذ عهد آدم(ع) فقد أحاط بالنسب الشريف من كل جانب، فجده لأمه رسول الله(ص)، وجده لأبيه مؤمن آل قريش أبو طالب(ع)، وأبوه الإمام الأعظم علي بن أبي طالب(ع)، وأمه الصدّيقة الطاهرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(ع)، وأخوه الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة، وأولاده أئمة الهدى ومصابيح الكون وهم زين العابدين، والباقر، والصادق، والكاظم، والرضا، والجواد، والهادي، والعسكري، والحجة المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين.

ولا نعلم نسباً أطهر وأعظم وأنقى وأرقى من هذا النسب الفريد من نوعه في هذا الوجود.

وهنا لا بد من وقفة سريعة حول بعض الأحداث الخاصة بالإمام الحسين(ع) يوم ولادته وبعض المواقف التي صدرت منه في طفولته وشبابه حيث من الضروري أن نفهم الحسين الطفل والحسين الشاب والحسين الخليفة حتى نفهم معنى الحسين الثائر والشهيد.

فمع ولادة هذا العظيم وُلد أمل كبير للأمة، وشع نور ساطع في أرجاء العالم لأنه(ع) كان نوراً في كل ما قام به طيلة حياته الشريفة.

لقد ولد(ع) في المدينة المنورة في الثالث من شهر شعبان للسنة الرابعة من الهجرة بعد ولادة أخيه الحسن المجتبى بسنة على وجه التقريب.

وعند خروجه إلى هذه الحياة تلألأ وجه رسول الله(ص) فرحاً وسروراً، ولكنه كان فرحاً مشحوناً بالأسى والحزن حيث ولد الحسين ليكون الشهيد المقطع جسده فوق أرض الطف.

لقد ولد الحسين(ع) في بيت الوحي والنبوة والطهارة والنزاهة..ولد في بيت كانت ملائكة الرحمن تتنزل إليه لتتبرك بأهله الكرام الذين جعلهم الله تعالى سادات الورى في الدنيا والآخرة.

عندما ولد الإمام الحسين أخذه النبي الأعظم(ص) والفرحة الخاصة تملأ وجهه الكريم فأذّن في أذنه اليمنى ثم أقام في اليسرى ليكون أول كلام يخترق مسمعه الشريف هو ذكر الله ورسوله.

وقد كان لذلك أثر كبير عليه حيث جبلت روحه بذكر الله ورسوله، وأطاع الله ورسوله حتى أتاه اليقين.

وترعرع(ع) في منزل العلم والفهم والتقوى، وتغذى على المعارف الإلهية والدروس الرسالية التي تلقاها قبله أبوه وأخوه.

ويكفيه فخراً أنه نشأ في رعاية جده الأعظم وتخلق بأخلاقه وحمل علمه واتصف بصفاته حتى كان كأنه جده في جميع مراحل حياته.

لم تكن ولادات العظماء كغيرها وإنما كانت تحمل معها معان عميقة وإشارات كان من الصعب تفسيرها قبل أوانها، كما حصل عند ولادة الإمام علي بن أبي طالب(ع) الذي وضعته أمه في جوف الكعبة، فلم يدرك الناس معنى هذه الكرامة إلا بعد ما ظهر منه في حياته ما ظهر من الفضائل والكرامات والبطولات.

ولأجل ذلك لا ينبغي علينا أن نهمل أي حدث من أحداث عظمائنا كيلا يفوتنا شيء من الفوائد المرجوة، وقد حدث عدة أشياء عند ولادة الإمام الحسين(ع) يجدر بنا الوقوف عندها.

 

لقد تعلم المسلمون من رسول الله(ص) دروساً تتعلق بشأن الطفل يوم ولادته، وهي ذات آثار كبيرة عليه في الكبر، فقد أخذ حفيده الحسين وأذّن له في أذنه اليمنى ثم أقام في اليسرى لتنطبع تلك الكلمات العظيمة في قلبه وتتماشى معه طيلة أيام حياته، وقد جعل الفقهاء تلك المراسم من المستحبات الأكيدة لما تحمل للطفل من فوائد معنوية كبرى تنعكس إيجابياً عليه في حياته.

ومن حق الولد على والده أن يختار له إسماً يحمله مدى الحياة، والأفضل أن يختار له الأسماء الشريفة التي تحمل معان عظيمة.

وقد كانت تسمية الإمام الحسين(ع) مميزة عن غيرها لأنها حصلت بوحي من الله سبحانه وتعالى، فقد قال رسول الله(ص) لعلي(ع) هل سميته؟فقال(ع) ما كنت لأسبق رسول الله في ذلك، فهبط الوحي على النبي بهذا الإسم العظيم، فالتفت النبي إلى علي وقال له:سمّه حسيناً:

وقد لُقّب(ع) بألقاب عديدة تحكي لنا حقيقته العظيمة وجوهره الطيب، فقد لقب بالرشيد والطيب والزكي والسبط والسيد المبارك، وقد استوحيت تلك الألقاب من كلام النبي(ص) فيه.

ومن الفضائل الكبرى لأبي عبد الله الحسين(ع) أنّ الله سبحانه ذكره في كتابه المجيد مادحاً له وآمراً الجميع بالتمسك في حبله.

ففي أواسط سورة الأحزاب بيّن القرآن المجيد عصمة النبي وآله من كل خطأ وعيب ونقص حيث يقول(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)

وقد أجمع المفسرون على كونها نزلت في النبي وآله عندما جلسوا تحت الكساء في بيت زوجته الفاضلة أم سلمة.

وفي سورة الشورى أمر الله عز وجل كل المسلمين بمودة القرابة لرسول الله(ص) وقد بيّن الرسول في مواضع عديدة أن قرابته هم علي وزوجته وولداه.

قال تعالى في هذه القرابة(قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)

وقد أشار أمير المؤمنين علي(ع) إلى كونه ممن اختصه الله تعالى بتلك القرابة حيث قال في نهج البلاغة:ولقد علمتم موضع من رسول الله(ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة…

والإمام الحسين(ع) مشمول بتلك القرابة فهو ممن تجب مودته بأمر من الله سبحانه.

وقال تعالى(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)

وقد نزلت هذه الآية الكريمة عندما باهل رسول الله(ص) نصارى نجران، وقد ذكر المفسرون والمؤرخون بأن النبي(ص) قد جمع أمام وفد نجران علياً وفاطمة والحسن والحسين فكان المقصود بقوله تعالى(أَبْنَاءنَا) الحسن والحسين، وبقوله(نِسَاءنَا) فاطمة بنت محمد(ع)، وبقوله(أَنفُسَنَا) علي بن أبي طالب(ع).

وكذلك نزلت سورة كاملة في بيان عظمة هؤلاء الأربعة الذين اختصهم الله تعالى لنفسه وفضّلهم على خلقه، وهي سورة الإنسان.

وقد نال الإمام الحسين(ع) حظاً وفيراً من المدح والثناء وإظهار فضائله ومكارم أخلاقه على لسان جده(ص) وقد أراد النبي من خلال ذلك ما هو أوسع دائرة من المدح والثناء ومجرد البيان، حيث لفت بكلامه أنظار الناس إلى أهمية المسؤولية التي سوف يحملها الحسين في حياته، وإلى عظمة دوره في تبليغ الدعوة وإيصال الرسالة إلى قلوب الناس وعقولهم.

وقد عمل رسول الله(ص) جاهداً لتأسيس مجموعات مؤمنة تكون عوناً للحسين في ثورته المباركة، ولم تكن دعوته لذلك غامضة أو حاملة لوجوه عديدة من المعاني، بل حملت معنى واحداً، وهو وجوب نصر الإمام الحسين في كل ما يقوم به، لأنه لا يقوم إلا بما يرضي الله ورسوله والأمة.

لقد كان(ص) يبكي كلما نظر إلى الحسين فيسأله الناس عن سبب بكائه فيخبرهم بما سوف يجري عليه في كربلاء ويدعوهم إلى نصرته ويحذرهم من خذلانه.

ومن جملة ما قاله رسول الله(ص) في الإمام الحسين:

1- “حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً”

2- ” الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.

3- ” الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا”

4- ” خير رجالكم علي بن أبي طاب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة بنت محمد”

5- ” سمع رسول الله(ص) بكاء الحسين فقال لابنته:ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني”

6- ” الحسن والحسين إبناي، من أحبهما أحبني، ومن احبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار”

ويحدثنا تاريخ الإسلام عن السلوك العبادي الذي تجسد في الإمام الحسين(ع) حيث بلغ بروحه أسمى معاني العبودية الصادقة لله سبحانه وتعالى.

لقد كان(ع) يصنع كل ما يدنيه من الله ويقربه منه، وذلك بشهادة الأحباب والخصوم.

لقد كان(ع) كثيرَ الصلاة والصوم والحج والصدقة، ومكثراً من أنواع العبادات كلها، وقد أشار الإمام زين العابدين(ع) إلى مستوى تلك العبادة التي تمتع بها الحسين في حياته حيث قال: كان الحسين(ع) يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة:

وقد اشتُهر(ع) بسخاء لا مثيل له، وقد شهد له بذلك أحباؤه وأعداؤه، وإليكم بعض النماذج عن سخائه الكبير:

1- لقد دخل الإمام الحسين(ع) على أسامة بن زيد في مرضه الذي مات فيه، ولمّا استقر به المجلس قال أسامة: واغماه: فقال له الإمام(ع) وما غمك؟ فقال أسامة:دَيني، وهو ستون ألف درهم: فقال(ع) هو عليَّ: فقال أسامة: أخشى أن أموت قبل أن يقضى: فقال(ع) لن تموت حتى أقضيها عنك: فقضاها(ع) قبل موت أسامة.

2- مرّ الإمام الحسين(ع) بمساكين يأكلون، فدعوه إلى الأكل معهم، فنزل من على فرسه وشاركهم طعام الغداء وهو يقول:إن الله لا يحب المتكبرين: وبعد الإنتهاء من الأكل قال لهم(ع) قد أجبتكم فأجيبوني: فقالوا نعم، فمضى بهم إلى منزله فقال للرباب:أخرجي ما كنت تدّخرين:

3- قال أنس: كنت عند الحسين(ع) فدخلت عليه جارية وبيدها طاقة ريحان، فحيته بها، فقال لها(ع) أنت حرة لوجه الله تعالى، فانبهر أنس وقال: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟ فأجابه(ع) قائلاً: كذا أدبنا الله، قال تبارك وتعالى(وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا)

4- جاء سائل يتخطى أزقة الكوفة حتى أتى باب منزل الحسين(ع) فقرع الباب وأنشأ يقول:

لم يخب اليوم من رجاك ومن     حرك من خلف بابك الحلقة

أنت ذو الجود وأنت معدنهم       أبوك قد كان قاتل الفسقة

فأعطاه الإمام الحسين(ع) مائتي درهم وأنشد قائلاً:

خذها فإني إليك معتذر             وأعلم بأني عليك ذو شفقة

لو كان في سيرنا الغداة عصا      كانت سماناً عليك مندفقة

لكن ريب المنون ذو نكد         والكف منا قليلة النفقة

فأخذها السائل شاكراً وهو يمدح الإمام ويقول:

مطهرون نقيات جيوبهم      تجري الصلاة عليهم أينما ذُكروا

وأنتم أنتم الأعلون عندكم     علم الكتاب وما جاءت به السور

من لم يكن علوياً حين تنسبه  فما له في جميع الناس مفتخر

وقد تحلى النبي وآله الأطهار بشجاعة مميزة لم يحدّث التاريخ عن مثلها.

وقد امتلك الإمام الحسين(ع) شجاعة جده وأبيه وأخيه، تلك الشجاعة التي بدت منه في أرض الطف حيث أدهشت العالم كله.

لقد تجلت تلك الشجاعة بأسمى معانيها في أرض كربلاء حيث لم يعرف الحسين معنى الذل والجبن والإستكانة رغم الظروف الصعبة التي أحاطت به من كل الجوانب.

لقد ابتلي الحسين(ع) بمصائب كبرى لو ابتلى بها غيره لم يستطع الوقوف على قدميه، فقد استشهد أولاده وأصحابه وأبناء عمه وقُطّعوا إرباً بسيوف الغدر والضلال، وهو يعلم أنه سيلاقي المصير نفسه، ورغم ذلك لم يخسر من شجاعته ذرة، ولم يتراجع عن موقفه العظيم الذي هو موقف الحق.

لم يضعف أمام الخطر والمصاب بل إنه بقي متماسكاً وكأن شيئاً لم يحصل أمامه حتى قال بعض الرواة: والله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، وإن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب:

ولم تكن تلك الشجاعة في كربلاء حديثة عهد بالحسين لأنه تحلى بها منذ الصغر حيث كان يشارك أباه علياً في معاركه الكبرى، وكان يبدي من الشجاعة فيها ما أبداه على أرض الطف.

وقد شارك أباه في معركة الجمل وصفين والنهروان.

وبعد التحاق النبي الأكرم(ص) بالرفيق الأعلى فَقَد الإمام الحسين(ع) مصدراً من مصادر العطف والحنان ومنبعاً من ينابع العلم والمعرفة، ولكن النبي(ص) قبل خروج روحه الزكية من جسده الشريف أودع علمه وأخلاقه وآدابه نفس علي(ع) وقلبه وعقله فلم يخسر الحسين بفقد جده سوى الحنان.

وقد لازم الإمام الحسين والده العظيم ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً، وقد حمل من أبيه ما حمله أبوه من جده.

وبعد استشهاد أمير المؤمنين(ع) عاش الحسين مع أخيه الحسن ما يقرب من عشر سنوات، أي إلى لحظة استشهاد الحسن بسمّ أهل الغدر والضلال.

لقد كانت علاقة الإمام الحسين(ع) مع أبيه أمير المؤمنين علاقة مميزة فاقت كل الحدود والإعتبارات لأنها لم تكن علاقة والد بولده وإنما كانت علاقة عظيم بعظيم، وعلاقة خليفة بخليفة ومعصوم بمعصوم.

ورغم عظمة شأن الحسين في نفوس المؤمنين، ورغم كونه أبرز أبطال التاريخ ما زالت أكثر جوانب حياته الشريفة مجهولة لدى كثير من الناس، وذلك بسبب اهتمامنا ببعض جوانبها دون البعض الآخر.

لقد قضى(ع) كل حياته بالعمل المضني في سبيل الله، وبالأخص في الفترة ما بعد استشهاد أخيه الحسن(ع) حيث تحمَّل المسؤولية لوحده، وتابع شؤون الأمة بدقة، فرسم بذلك تاريخاً عريقاً لا ينبغي لأحد أن يغفل عنه.

وما عرفناه عن الحسين الثائر هو نفسه في الحسين العابد والزاهد والخليفة والمعصوم في جميع مراحل حياته.

لم يرتفع شأن الحسين بسبب عاشوراء فقط، فإنَّ كل ما صنعه في حياته كان مصدر رفعة له في الدنيا والآخرة، غير أنّ عاشوراء كانت أشهر أحداث حياته، ولأجل ذلك اهتم بها الناس أكثر من اهتمامهم بالأحداث الأخرى، ولكنهم لو أدركوا عظمة فعل الحسين قبل كربلاء لأعطوه نفس النظرة لها.

ففي زمن النبي(ص) كانت المسؤولية موزعة على خمسة أشخاص، أما في زمن الحسين فقد تحمل المسؤولية بمفرده، ووطّن نفسه على مواجهة العواقب مهما كانت صعبة وخطرة.

لقد اهتم الحسين(ع) بعد استشهاد أخيه الحسن بشؤون الأمة، وكان نعم الراعي والقائد والحامي والمدافع عن الدين وأهله.

إن الحسين(ع) لم يواجه يزيداً في كربلاء فقط، وإنما كان يواجهه طيلة حياته، وليست كربلاء سوى النهاية، أما البداية فقد سبقت كربلاء بزمن طويل.

 

الشيخ علي الفقيه

قال سبحانه( واذكر ربك حتى يأتيك اليقين) إن ذكر الله عز وجل لا ينحصر بجارحة اللسان بل يجب أن ينبع من صميم القلب وتترجمه الطاعة الصادقة التي تتحقق بفعل الواجب والمستحب وبترك كافة المحرمات جعلنا الله واياكم من الذاكرين العابدين الصادقين الشيخ علي فقيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى